• مقدمة وتوطئة تعريفية عن المدونة ومحتوها
  • سلامي مصر- البداية – بقلم مصطفي محمد سعدي
  •  القرآن الكريم والسنة الشريفة
  •  المجموعة الأدبية والقصائدية الخاصة بـ مصطفي محمد سعدي
  • تابع أساسيات العلوم على الفيس بوك كنوع من المساهمة في إثراء المدونة

التوتر المجتمعي -Societal collapse- ومهزلة التعليم العربي

الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011 التسميات: , , , ,

التوتر المجتمعي -Societal collapse- ومهزلة التعليم العربي

مقدمة وتوطئة :

بسم الله و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ثم أما بعد , يقيناً بأن خير الكلام هو كلام ربنا الحق وخير الحديث حديث نبيه محمد ؛ فلعلي أستعين منهما بما يفتح علي في بداية كتابتي ليكون عوناً ودعماً لكلماتي المتواضعة في كل موضع ومقتضى لها.

روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بروايات متنوعات أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء و العلماء ) و في رواية (... بعثه الله فقيهاً عالماً ) و في رواية أبي الدرداء (... و كنت له يوم القيامة شهيداً و شافعاً ) و مع ضعف الأحاديث المتقدمة إلا أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال و قد ذكر الإمام النووي الأحاديث السابقة في مقدمته و سبب جمعه للأحاديث ليس الأحاديث السابقة بل قوله صلى الله عليه و سلم (ليبلغ الشاهد منكم الغائب ) و قوله (نضر الله إمرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها ).

وقد حثنا الله على العمل في كتابه العزيز فالآيات التي حثت على العمل وتحدثت عنه في كتاب الله تعالى كثيرة جداً، منها قوله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {الزخرف:72}، ومنها قوله تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا {الكهف:110}، ومنها قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك:2}، وقوله تعالى في آخر سورة الكهف: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا {الكهف:107}، وقوله في سورة الزلزلة: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ* فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزلزلة:6-7-8}

وفي هذا الموضوع أكتب لكم بعض من الأبيات الشعرية التي نظمتها لتختصر ما في موضوعي في صورة جمل مقفاة تطرب لها الأذان , وهي بعنوان :

تشبث في البقاء

بسم الله دائماً له البقاء توكلنا عليه ونسينا كل شقاء

وهيا على رب العالمين نتوكل فبإذنه لن يكون لنا إلا النور الوضاء

وكفانا من الجهل والآفات زمناً تلويثاً للعقول وتعكيراً لكل صفاء

فما صعدت عند القمم أممٌ إلا بنظم وخلق وأملاً في البقاء

لقد أصبحنا إلى غير العرب نجري بكل ذل وعجب نظرة إلى السماء

فقد آن للعرب في كل صوب أن يدوموا بين البشر بكل بهاء

عملاً وعلماً ومجداً يكون ذكراً بين الجموع ثناء

- مصطفى محمد سعدي موسى

ل لعل أي تقدم مجتمعي مُنتظر الولادة يحتاج إلى بعض الأسس والمبادئ التي يمكن له السير عليها والنمو في الطريق المأمول , ولعل هذا أيضاً يبدو جلياً للمجتمعات الباحثة عنه ؛ فمن هنا نبدأ موضوعنا ونبحث بداخل أسباب انهيار المجتمعات والبحث – أيضاً – في حلول فاعلة في هذه المناطق الوعرة .

الترابط المجتمعي ووحدة المجتمع :

الاختلاف و التشتت في طرح أفكار المجتمع وقضاياه واقتصادياته ومشكلاته يؤدي إلى انفراط آصرة التوافق بين الرغبات المجتمع وأهدافه ؛ فمثلاً لن تستطيع حل مشكلة تتعلق بالتعليم وجودته إلا عندما تمر على الاقتصاد -أو غيره- , أو لن تستطيع مثلاً حل مشكلة اقتصادية بدون الرجوع للحالة المجتمعية للأفراد ؛ فكل هذه المحاور تتلاقى معاً في نقطة نعرفها باسم المجتمع , والمجتمع هو مجموعة من الأفراد تربطهم أشياء كثيرة جداً فيما بينهم كالشعور والإحساس والرأي والرغبة ... إلى أخره , وأشياء أخرى تربطهم بالمجتمع باعتباره كيان محسوس له تأثير ملموس –أي وحدة متكاملة- .

بعض أسباب التوتر المجتمعي :

من أسوأ اللحظات التي يمر بها مجتمع ساع إلى تقدم ما أو تحقيق هدف ما لحظة انهيار هذا المجتمع ؛ لأن هذه اللحظة يكون فيها المجتمع في حالة تشتت وتفرق في الأفكار والثقافات مما يؤدي إلى تولد فجوة عميقة بينه وبين من حوله ليحاول فيها للنأي بنفسه والنجاة بها بعيداً عن أخيه في المجتمع , وتتميز هذه اللحظة –على الرغم من كبر مداها النسبي- بأنها اللحظة التي لا يمكن العودة فيها , حتى وإن كان سيكون بعد خسارة مجتمعية ليست بصغيرة –إلا من رحم ربي- , ما قبل هذه اللحظة لابد وأن يكون فترة اضطراب وتخبط في بعض من مناحي المجتمع المؤثرة في دعاماته أو حتى تكون هي نفسها دعاماته , لنطلق على هذه الفترة اسم التوتر المجتمعي , وقد حذر الله من الوصول إلى هذه المرحلة (اللحظة) في كتابه العزيز في سورة الأنفال الآية 24 بقوله : }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ {

والآية واضحة في الدلالة على أن حياة المجتمع متوقفة على الاستجابة لدعوة الله ورسوله. وتقوم هذه الدعوة التي بها حياة المجتمع على التوحيد، والعدل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. فهذه هي أسس (الحياة) في المجتمع.حيث يمثل التوحيد القاعدة العقائدية السليمة للمجتمع، ويمثل العدل إقامة العلاقات الاجتماعية على نحو متوازن، فيما يجسد الأمر بالمعروف ديمومة تصعيد الجانب الإيجابي الخير في بناء المجتمع ويتجسد النهي عن المنكر ديمومة التصدي العام لكل مظاهر الانحراف وعوامل الهدم , ونستنتج من هذا أن الأخلاق شئ هام في قيام أي مجتمع قوي يريد التقدم والتأثير في الآخرين .

وإيماناً بقول الله تعالى : )ذلك بأن الله لم يكن مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) (الأنفال: 54( , نحاول تسليط الضوء على بعض من مقومات انهيار أي مجتمع ودور هذه المقومات في تجنب ذلك سواء كانت أخلاق أو مؤسسات أو أفراد عاديين .

المثقفين والصفوة المجتمعية :

من ضمن هذه المقومات التي نتحدث عنها المثقفين , دور المثقفين ومن يسمونهم الصفوة المجتمعية , هؤلاء لهم دور كبير في إثراء ثقافة وعقلية الفرد في المجتمع وأيضاً لهم دور في تدمير عقلية الفرد وتشوهيها على حد سواء , والمشكلة أصلاً هي طبيعة بشرية ؛ حيث أن هؤلاء من يسمونهم صفوة غير معصومين من الخطاً كبشر , ولكن الأفراد يعتبرونهم محلاً بعيداً عن ذلك بحكم أنهم صفوة مجتمعية لا يوجد مثلهم-على حد تعبيرهم- فيصبحوا في نظرتهم بشراً معصومين من الخطاً , وهذا يُكون ناتجاً من العشوائية في تطور الثقافة المجتمعية مع مرور الزمن حيث يشعر هؤلاء الصفوة بالحرية المطلقة في طرح أي مواضيع الهادف منها والغير هادف , المشوه لثقافة الفرد والغير مشوه ... إلى آخره من مظاهر هذه الحرية المفرطة .

الأخلاق :

نصل من دور المثقفين إلى دور الأخلاق في تكوين ثقافة مجتمعية صلدة تتحمل جميع الصدمات الحتمية عليها ؛ فالأخلاق هي أساس الدول , إن وجددت صارت الدولة وإن لم توجد اختفت الدولة وظهر منها هيكلاً هشاً تدمره أضعف الصدمات.

وإن نظرنا إلى أعظم وأكبر دولة كانت أخلاقياً واقتصادياً واجتماعياً ألا وهي الدولة الإسلامية في أوج ذروتها نجد التسامح الديني في الإسلام ساعد بخلق شبكة من متعددة من الثقافات حيث تم جذب المثقفين المسلمين والمسيحيين واليهود مما أتاح وجود أعظم فترة من الإبداع الفلسفي في العصور الوسطى وذلك في الفترة من القرن الثامن وحتى الثالث عشر ميلادي.

هناك سبب آخر لازدهار العالم الإسلامي في هذه الفترة وهو تركيز الحضارة الإسلامية على حرية الكلام، ويمكن بيان هذا من خلال النص التالي المأخوذ من رسالة أرسلها الهاشمي (و هو قريب للخليفة المأمون) إلى أحد خصومه الدينيين وحيث كان الهاشمي يحاول هديه إلى الإسلام من خلال المنطق:

(قم بإحضار جميع الحجج التي تريدها وقل كل ما تتمنى أن تقوله وبكل حرية. وبما أنك الآن تملك الأمان والحرية في قول ما تريده، فأرجو منك تعيين محكم والذي سيتدخل بشكل موضوعي بيني وبينك ليحكم بيننا بحيث يقوم بالحكم بناء على الحقيقة فقط كما يتعين عليه أن لا يحكم العاطفة، كما يجب أن يكون منطقياً، حيث أن الله يجعلنا مسؤولين عن مكافأتنا أو عقوبتنا. لقد قمت هنا بالتعامل معك بأسلوب عادل وكما أعطيتك الأمان حيث أنني جاهز لقبول أي قرار منطقي يعطى لصالحي أو ضد صالحي. وحيث أنه (لا إكراه في الدين) ((البقرة 256)) وكما أنني قمت بدعوتك حتى تقبل إيماننا عن طواعية واتفاق منك ومن خلال تبييني لسوء معتقدك الحالي. والسلام عليكم ورحمة الله) .

إشكالية التعليم :

التعليم والتربية هو بناء الفرد ومحو الأمية في المجتمع وهو المحرك الأساسي في تطور الحضارات ومحور قياس تطور ونماء المجتمعات فتقيّم تلك المجتمعات على حسب نسبة المتعلمين بها.

وقد ذكر العلّامة ابن خلدون في مقدمته أن "الرحلة في طلب العلوم ولقاء المشيخة مزيد كمال في التعليم" وأضاف بأن البشر يأخذون معارفهم وأخلاقهم وما ينتحلون به من المذاهب والفضائل تارة علما وتعليما وإلقاء وتارة محاكاة وتلقينا مباشرة.

ولكن على المستوى الواقعي , نجد أن مستويات التعليم في وطننا العربي لا ترقى إلى أدنى مستوى من مستويات التقييم إلا القليل من هذه الدول , ولكن الإشكالية في أن المشكلة لم تتوقف على ذلك فحسب , لم تتوقف على ترهل المؤسسات التعليمية العربية ولكن أصبح الطالب أو المتعلم العربي كالحاسب الآلي لا يأخذ معلومات أو بيانات إلا ما يحتاجها ليقوم بها بعملية مطلوبة منه في وقت ما معين , أصبح الطلاب يبحثون فقط عما يأتي في الاختبار التقييمي .

ومن هذا المنطلق لا نجد طلاباً يبحثون عن دراسة علماً بمفهومه كعلم وإنما مقرراً ومنهاجاً يؤخذ منه ما يأتي في الاختبار .

"وَيْلٌ لِلْعَربِ مِنْ شَرّ قَد اقْتَرَب"

لعلنا نستفيق من هذه الغفلة العظيمة ونلتفت إلينا كعرب مسلمين وإلى بناء حضارتنا التي تتناسب مع عصرنا .

حفظ الله مصر وشعبها وكل المسلمين أجمعين في كل البلاد العربية والأجنبية الأخرى .

n مصطفى محمد سعدي موسى

 
أساسيات العلوم - SciBasics © 2010 | تعريب وتطوير : سما بلوجر | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates